المقدمة
«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ»
بعد تقديم الجزء الأول من كتاب (تلك الأسباب)،
والذي استطاع من خلال اللفظ القرآني بيان بعض الإشارات والدلالات العلمية، وقدم
بعض الاقتراحات، وطرح مجموعة من الأسئلة؛ نقدم اليوم الجزء الثاني من سلسلة الكتاب
راجين الله عز وجل أن يلهمنا الصواب والتسديد.
قبل أن أشرع في تعريف الجزء الثاني، كان لزامًا
أن أوضح الفرق بين مدلول كلمة معجزة وكلمة آية حتى تبدو الأمور واضحة لا لبس فيها،
عندما نحاول بحث كيف حدثت معجزة من المعجزات، نحن في الحقيقة نبحث خلف آية من آيات
الله، وليس معجزة بمعناها الحرفي؛ فكلمة معجزة بالنسبة للإنسان تعني شيئًا يعجز
الإنسان عن الإتيان به، وهذا اللفظ لم يستخدمه ربنا في كتابه عند الحديث عن خوارق
العادات على يد الأنبياء أو أحدٍ من خلقه. إطلاق لفظ المعجزة على آية من آيات الله
هو تسمية بشرية خالصة لا تعكس حقيقتها، وإنما تسميتها بالآية هي التسمية التي
أرادها لها رب العالمين.
يطلب الله سبحانه وتعالى من عباده تدبر آياته،
سواءً الآيات الكونية أو الآيات اللفظية، والتدبر ما هو إلا محاولات دؤوبة من
البحث والتقصي وطرح الأسئلة. إن كانت مهمة كتاب (تلك الأسباب) بالأساس هي فهم
الآيات الكونية وخوارق العادات من خلال اللفظ القرآني، ومقارنته بالحقائق العلمية،
فإن فهم وتأويل الآيات اللفظية يسير جنبًا إلى جنب مع الآيات الكونية.
كلمات
الله الناطقة المتمثلة في الألفاظ القرآنية، وكلماته الصامتة المتمثلة في القوانين
الطبيعية تحمل كنوزًا معرفية لا حصر لها تحتاج لباحثين مسلحين بالمعرفة الحديثة،
لاكتشاف أسرارها، واستخراج مكنونها وإيجاد علاقة محتملة ووثيقة بينهما. إن كان
علماء الطبيعية يستخرجون كنوز الكلمات الصامتة من خلال الإبحار، والغوص، ودراسة
التفاصيل الدقيقة للمادة ومحاولة فهم النشأة والتكوين الأول، فلابد لفهم كلمات
الله الناطقة، وفهم مبدأ أنه كلما تعمقنا وحاولنا فهم الجذور والمنشأ، كلما
اقتربنا من العلم الحقيقي.
إدعاء البعض أن البحث خلف الخوارق والآيات التي
أيد الله بها الأنبياء، ومن ثم محاولة فهم أسبابها، هو مدعاة للطعن في طلاقة قدرة
الله وطلاقة علمه، هو إدعاء طفولي لا يقف على حقيقة معنى القدرة، ويتعامل مع
الخالق على أنه محدود العلم والقدرة، إذ يُخشى على الخالق من محاولات البشر
البحثية والمعرفية؛ فالله سبحانه وتعالى حث المؤمنين به على القراءة، والبحث،
واتباع أساليب التعلم وتحصيل العلم، ودلهم على طريقة التحصيل وطريقة التعلم عندما
قال «عَلَّمَ بِالْقَلَمِ» (سورة العلق - آية 4)؛
سوف نأتي على بدايات سورة العلق في الفصل الثاني من هذا الجزء لفهم معنى يقرأ،
ومعنى علم بالقلم التي ميزت الإنسان عن باقي المخلوقات.
عدم فهم مدلول كلمة قدر ومشتقاتها مثل: قادر،
والقدرة والتقدير، وخصوصًا المدلول الفيزيائي للكلمة وما تحمله من قوانين، جعل هذه
المسميات في أذهان الكثيرين مرادفة للعشوائية أو الفعل غير المبرر؛ في حين أن
مدلول اللفظ القرآني يشير إلى أن عملية التقدير تعني مجموعة من التعليمات،
والقوانين والحسابات جعلت كل شئ بقدر. الله يقدر الحسابات، ويضع التعليمات
والقوانين التي تُسير جميع المكونات الكونية، وكلمة التقدير تعني أن كل شئ منسجم
ومتوافق بقوانين صارمة، وليس هناك سبيل للعشوائية في هذا الكون، حتى الخوارق منها.
البحث عن
الأسباب والقوانين التي وضعها الخالق، ومحاولة فهمها، هما عين مهمة الإنسان، الذي
ميزه الله بالعقل والقدرات العقلية الراقية حيث الفهم، والتحليل والاستنتاج، وكلما
سار الإنسان باحثًا ومتعمقًا، كلما اقترب معرفيًا، وصار أكثر إيمانًا بالذي وضع
تلك القوانين ويُسيرها. الكون ينطق بالوحدانية لا شك، وهذا الترابط، والانسجام
والتوافق إنما يدل على المصدر الواحد، وينفي التعدد، وينطق بالقدرة، أما المرتجفون
من البحث وفهم الخوارق وتتبع الآيات، فهم لا يقدّرون الله حق قدره، ويحملون منطق
الملحد الساذج الذي يقول بالعشوائية وعدم التقدير؛ يتشابه كلاهما في الكسل العقلي
والاتكاء على معلومات سطحية لم تُختبر؛ فكما يعتقد الملحد أن الكون يسير بدون
تقدير، وأن الصدفة هي المُنشئ الأول للكون، أي لا وجود للأسباب التي بدورها تستدعي
وجود المسبب، فكذلك المؤمن الأعمى الذي يعادي البحث، والتدبر والتفكر هو على
الحقيقة يؤمن بالصدفة والعشوائية، ولكن يطلق عليها إسم الآلة؛ فالإيمان بالله
يقتضي معرفة، وبدون معرفة هو انقياد أعمى غير محمود العواقب.
لابد أن يكون خرق القانون قد تم بقانون، وهذا هو
تمام القدرة، إنه الفرق بين العقل متعدد الأبعاد وبين العقل المسطح ذو البعد
الواحد.
إن ما أحدث هذا الارتباك وهذا الخلط في الفهم هو
عدم فهمنا للغة العربية التي نزل بها القرآن، ولعل فهم كيف نشأت اللغة، وما معنى
كلمة عربي، وهل العرب يُنسبون للغة أم اللغة هي المنسوبة للعرب قد يوضح لماذا نحن
مرتبكون إلى هذا الحد، ولماذا كل هذا التخبط، فيبدو فهمنا للأمور بشكل مقلوب،
وبدون قصد، وضعنا العربة أمام الحصان، فتوقفت الحركة، وصار الثبات والاستقرار
المميت هو سيد الموقف.
يتكون هذا
الجزء من عشرة فصول:
الفصل الأول: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا
لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
يتناول هذا الفصل مفهوم كلمة عربي، ومفهوم كلمة
الأعراب، والفرق بين المسميات في كتاب الله والمسميات البشرية التي ما أنزل الله
بها من سلطان. في هذا الفصل سوف يتم التطرق لنظريات نشأة اللغة، ومدلول التعبير
القرآني (علم آدم الأسماء)، الذي يرجح بشدة نشأة اللغة لدى الإنسان كهبة إلهية،
بناء على جذر اللغة. وسوف نتعرف في هذا الفصل على مدلول كلمة الأعراب، والتي ليس
لها أي علاقة بأهل البادية (القرآن ليس كتابًا عنصريًا) وإنما هي وصف لنماذج من
البشر في مجتمعات معينة، وكيف ينتشر الأعراب هؤلاء في المجتمعات البدائية ذات
الصوت الواحد والأنظمة السلطوية.
«الكلمات والألفاظ القرآنية أشبه ما تكون باللغة
الكونية التي تقوم على أسس وقوانين غاية في الدقة، ما إن يتم اكتشاف هذه القوانين،
إلا ويتمكن الياباني، والفرنسي، أو الإسباني وسكان الغابات من فهمها وفهم ما تعنيه
كلماتها، فهي تشبه لعبة كرة القدم، أو تشبه الرياضيات أو الفيزياء، لغة عالمية
تقوم على مقاييس وأقدار محددة تحتاج لجهود جبارة، وأفكار ابتكارية، وفرق عمل
متنوعة لإيجاد قانونها الأوحد وربطه بالقانون الكوني».
الفصل الثاني: «عَلَّمَ بِالْقَلَمِ»
يتطرق لافتتاحية سورة العلق، وعلاقة الأمر الإلهي
«اقرأ» بالعلق، وما هو التعليم بالقلم، وكيف يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمر اقرأ.
الفصل الثالث: «وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ»
يصحح هذا الفصل مفهوم خسوف القمر، ويصف الظاهرة
من خلال كتاب الله وصفًا دقيقًا بليغًا، وذلك خلافًا لما فهمه البشر على مدار
القرون الماضية.
«أربع آيات تصف المشهد، ولا أروع من هكذا وصفًا
ربانيًا، ما كان لمحمد (ﷺ) كبشر أن يأتي من نفسه بهذا الوصف الدقيق والبليغ،
ولو اجتمع أهل الأرض قاطبة على وصف هذه الظاهرة بهكذا كلمات قبل اكتشاف العلم الحديث،
لما استطاعوا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا».
الفصل الرابع: «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا»
استكمالا للظواهر الكونية، يتحدث هذا الفصل عن
ظاهرة تعرف بالكسوف، وكيف أن القرآن الكريم وصف الظاهرة وأشار إليها، بل وإن هناك
بعض الإشارات التي لم تكتشف بعد ويمكن أن تكون فتحًا علميًا للمتخصصين في مجالات
مختلفة.
الفصل الخامس: «فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ
خِلالِهِ»
هذا الفصل يصحح مفهوم الرعد والصواعق، ويعطي
وصفًا للودق الذي ذُكر في كتاب الله وفسره المفسرون على أنه المطر، وهو خلاف ذلك.
الفصل السادس: «مَنطِقَ الطَّيْرِ»
يتناول هذا الفصل الآية التي خص الله به نبيه
سليمان من فهم منطق الطير، وما علاقة منطق النمل بمنطق الطير، وما يمكن أن نستخرجه
من معلومات ومعارف من هكذا حديثٍ صادقً.ٍ هذا الفصل يحمل تساؤلات أكثر بكثير من
كونه يحمل إجابات، لعل هذه التساؤلات تجد إجابات عند أهل التخصص، أو حتى تفتح
عيونهم على أشياء جديدة، وربما تساعد في فهم بعض الظواهر العلمية.
الفصل السابع: «قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ
طَرْفُكَ»
ما زلنا في هذا الفصل مع نبي الله سليمان، ونقل
عرش بلقيس، وكيف تمت عملية النقل، وهل يمكن أن نراها ماثلة أمامنا في الأيام
المقبلة؛ فسوف نكتشف من خلال كلمة «طرف» أن الفيزياء التقليدية قد لا تفيد في نقل
المادة، وقد يتغير كل شئ إذا تم تقنين ومعرفة الأقدار التي تتحكم في علم
الباراسيكولوجي.
الفصل الثامن: «حور عين»
يتناول هذا الفصل مفهوم الحور العين من خلال
تحليل جذر الكلمات ومقارنة الآيات؛ حيث أثبتت النتائج أن هذا التعبير القرآني
العظيم أشمل وأعم مما نعتقد.
يتناول هذا الفصل تفسير سورة الكوثر من منظور
مختلف تمامًا لا يرجح أبدًا أن يكون الكوثر نهر في الجنة خاص برسول الله (ﷺ)، سورة تحمل
كل ما يمكن أن يقال في مفهوم التنمية البشرية، وكلمات غاية في الإعجاز والإبداع،
إنه حقا تقدير العزيز العليم.
الفصل العاشر: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ»-
رسول الله (ﷺ) المفترى
عليه
قصة زواج الرسول الكريم (ﷺ) من زينب بنت
جحش، والتي فسرها المفسرون بعيدًا عن فهم وتحليل اللفظ القرآني، أعطت نتائج مدهشة
عندما استخدمنا منهجًا علميًا في تتبع اللفظ وتحليله. هذا الفصل يثبت كيف يمكن
لتفسيرات لا تقوم على أساس علمي أن تكون كارثية، بينما التفسيرات التي تتبع
منهجًا، وترصد حقائق بعيدًا عن الرؤى الشخصية هي الأكثر منطقية وواقعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق