الفصل الثامن: قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ
إِلَيْكَ طَرْفُكَ
كثير من الأعمال الروائية والسينمائية تنبأت الإنتقال الآني
أو الانتقال اللحظي. مسلسل ستار تراك الشهير، الذي يحكي عن الحياة المستقبلية
للإنسان، تعرض لهذه الفكرة حيث قام أحد
أفراد العمل بالدخول إلى غرفة صغيرة، وعن طريق تسليط شعاع ضوئي عليه، يلف الشعاع
جسم هذا الشخص بالكامل ليختفي بعد ذلك، ثم يظهر في مكان آخر في غرفة شبيهة بالغرفة
الأولى في مكان بعيد عن المكان الأصلي بمسافة كبيرة جدًا.
هل حقا يمكن أن تتحقق مثل هذه الفكرة، وما مدى معقوليتها،
وهل لها دلالة أو إشارة لدينا في القرآن الكريم؟
انتقال الإنسان في حد ذاته انتقالًا لحظيًا يبدو بعيد
المنال في الوقت الحالي، بسبب تعقيدات وعلاقات أعمق بكثير جدًا من العلاقات التي
تحكم الأشياء المادية، الأجسام غير الحية
وعلى قمتها الإنسان. الجمادات مهما بدت معقدة فهي بالنهاية مجموعة من
العلاقات الفيزيائية والتشابكات الكمية، بعكس الإنسان الذي يُعتبر مجموعة علاقات
لا نهائية من العلاقات الفيزيائية، والبيولوجية، والنفسية والمعرفية المعقدة،
والملتفة بعضها على بعض بشكل يصعب تمييزها والتعامل معها ببساطة.
يعتقد كثير من العلماء أن انتقال الأجسام المادية انتقالًا
آنيًا ليس مستحيلًا، وأنه أمر وارد، وبشدة ومطروح للنقاش. لقد قرر القرآن الكريم
هذه الحقيقة في سورة النمل، عندما سجل لنا القرآن الكريم الحديث الذي دار في مجلس
نبي الله سليمان عن إمكانية إحضار عرش بلقيس إلى مجلسه، قال تعالى:
(قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ
يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ
مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي
عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ
مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ
أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ
رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ((40))(سورة
النمل، الآيات 38-40).
خبرٌ هكذا وحديثٌ صادقٌ وحقيقيٌ لابد أنه إشارة
تحفيزية للإنسان ليشحذ الفكر ويطرح
الأسئلة على تلك الآية الفريدة، وعلى المفردات التي وردت في كتاب الله في وصفها.
لعل الإشارة أن من قام بهذه الآية الخارقة هو من أهل العلم، يعطينا حافزًا للبحث
والاجتهاد لفهم ما هو هذا العلم وهل يمكننا فعلها حاليا؟
الخواطر القرآنية
ما كان حديثا يفترى وما كان قصصًا عبثيًا، ولكن تصديق الذي
بين أيدينا من العلم والمعرفة و دلائل وإشارات ربانية لما هو آت، ولكن أكثر الناس
في غفلة. آيات بينات تنطق بالحق وتصف مشهدًا عظيمًا، وإشارة علمية لا يمكن أن تمر
إلا على أقوام لا يؤمنون بالعلم ولا يصدقونه. كل كلمة يمكن أن تكون مفتاحًا لبحث
كامل لو وجدت من يصدق أنها كلمات الله حقًا ويقينًا، وأنها تحمل علم وأقدار الله
المطلقة، وليست مجرد كلمات تم توارثها عبر الأجيال تخفي إيمان عشوائي لا ظليل ولا
يغني عن الدجل والشعوذة. تبدأ الآيات الكريمة بقول الله تعالى:
(قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ
الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ
مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ
أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ
رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ).
أقوال المفسرين حول هذه الآية الكريمة تتمحور حول ما يلي:
جاء في تفسير ابن كثير: (قالَ الَّذِي عِنْده عِلْم مِنْ
الْكِتَاب»، قَالَ اِبْن عَبَّاس وَهُوَ آصَف كَاتِب سُلَيْمَان وَكَذَا رَوَى
مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ يَزِيد بْن رُومَان أَنَّهُ آصَف بْن بَرْخِيَاء،
وَكَانَ صِدِّيقًا يَعْلَم الِاسْم الْأَعْظَم، وَقَالَ قَتَادَة كَانَ مُؤْمِنًا
مِنْ الْإِنْس وَاسْمه آصَف وَكَذَا، قَالَ أَبُو صَالِح وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة
إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْإِنْس زَادَ قَتَادَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل، وَقَالَ
مُجَاهِد كَانَ اِسْمه أَسْطُوم، وقَالَ قَتَادَة فِي رِوَايَة عَنْهُ كَانَ
اِسْمه بليخا، وَقَالَ زُهَيْر بْن مُحَمَّد هُوَ رَجُل مِنْ الْإِنْس يُقَال لَهُ
ذُو النُّور وَزَعَمَ عَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة أَنَّهُ الْخَضِر وَهُوَ غَرِيب
جِدًّا؛ وَقَوْله « أَنَا آتِيك بِهِ قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَيْك طَرْفك»، أَيْ
اِرْفَعْ بَصَرك وَانْظُرْ مَدّ بَصَرك مِمَّا تَقْدِر عَلَيْهِ فَإِنَّك لَا
يَكِلّ بَصَرك إِلَّا وَهُوَ حَاضِر عِنْدك) انتهى التفسير.
أتوقف قليلًا عند اسم صاحب نبي الله سليمان، والإصرار على
معرفة اسمه، وما هي الفائدة التي تعود علينا بذكر اسمه؟ إذا كان كتاب الله لم يشر
من قريب أو من بعيد لاسم هذا الرجل، كيف استطاع المفسرون معرفة هذا الاسم والقطع
به؟ قول بدون دليل لا يصح ولا يجب الالتفات إليه، وإنفاق الوقت في هكذا معلومات لا
يمكن اعتبارها إلا نوعًا من لهو الحديث، حيث الانشغال عن الحديث الرئيس ومحاولة
تدبر الحالة القرآنية، والاستفادة منها إلى أخبار تاريخية لا تسمن ولا تغني من جوع.
إذا قرأت في كتاب الله قَصصًا أو حديثًا فأحسنوا الاستماع
لعلكم ترحمون، ولا تنصرفوا عما قال ربنا إلى ما قاله غيره، فما قاله ربنا هو أبلغ
وأصدق الحديث وما قاله غيره ما هو إلا لهو. الانصراف عن تدبر أبلغ الحديث وأحسن القصص
بأخبار جانبية وأحاديث أهل الكتاب لا نعلم مدى صوابها من خطئها لا يمكن أن يوضع
إلا في سلة لهو الحديث، الذي يصرف الناس سواء بعلم أو بغير علم عن تدبر الآيات إلى
قصص وأساطير ما ذكرها ربنا في محكم التنزيل، ولا يمكن أن تنطق هذه الأحاديث
والأساطير بالحق كما ينطق كتاب ربنا بالحق.
الوقوف على كلمة واحدة في كتاب الله ومقارنتها بمثيلاتها
وتدبر مواضع ذكرها في كتاب الله كفيل بأن يحل إشكاليات، ويفتح أبواب المعرفة على
مصراعيها بدلًا من استجداء المعارف والمعلومات من تاريخ سحيق طحنه الزمان وأتي
عليه ولم تبق منه سوى آثار متفرقة لا يمكن اعتمادها كمصدر موثوق للعلم.
أشار الطبري إشارة خفيفة لمثل ما قاله الآخرون، بأنه آصف
ولم يزد على ذلك.
جاءت أقوال تفسير الكبير كالآتي:
(أما قوله: (قال الذي عنده علم من الكتاب)
ففيه بحثان: اختلفوا في ذلك الشخص على قولين: قيل كان من الملائكة، وقيل كان من
الإنس، فمن قال بالأول اختلفوا، قيل هو جبريل عليه السلام، وقيل هو ملك أيد الله
تعالى به سليمان عليه السلام، ومن قال بالثاني اختلفوا على وجوه:
القول الأول: قول ابن مسعود، أنه الخضر عليه السلام.
القول الثاني: وهو المشهور من قول ابن عباس، أنه آصف بن
برخيا وزير سليمان، وكان صديقًا يعلم الاسم الأعظم إذا دعا به أجيب.
القول الثالث: قول قتادة، رجل من الإنس كان يعلم اسم الله
الأعظم.
القول الرابع: قول ابن زيد، كان رجلًا صالحًا في جزيرة في
البحر، خرج ذلك اليوم ينظر إلى سليمان.
القول الخامس: بل هو سليمان نفسه، والمخاطب هو العفريت الذي
كلمه. وأراد سليمان عليه السلام
إظهار معجزة وتحداهم أولًا، ثم بيّن للعفريت أنه يتأتى له
من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتهيأ للعفريت) انتهى التفسير.
أقرب تفسير أميل إليه هو قول قتادة أنه رجل من الإنس عنده
علم من الكتاب، لأنه هو القول الموافق والأقرب لكتاب الله.
أما القول بأن المعنى بالذي
عنده علم من الكتاب هو نبي الله سليمان نفسه هو قول غريب، ولو نظرت إلى صياغة
الآيات تجد حديثًا يدور بين نبي الله سليمان وبين من هم في مجلسه، فكيف يكون
المعني هو نبي الله سليمان نفسه؟
معظم التفاسير تطرقت إلى أن العلم المعني هو معرفة اسم الله
الأعظم، ولا أعرف ما الدليل القائم على ذلك، ومن أين استدل المفسرون على أن علم
الذي عنده علم من الكتاب هو اسم الله الأعظم؟
كما ذكرنا آنفًا أن كل هذه الاجتهادات محاولات بشرية
للتأويل، تظل تدور في فلك الفكر البشري الخاضع لمعارف الزمان الذي صيغت فيه هذه
التأويلات. بالنظر لكلمة كتاب ومدلولها في كتاب الله أرجح القول بأن علم الكتاب هو
علم خاص بالقدرة على إحضار العرش وكل ما يلزم لإتمام هذه العملية.
الكتاب ما هو إلا مجموعة من المسائل والتعليمات والقوانين
الخاصة بموضوع الكتاب، ففي حالة نقل عرش بلقيس من مكان إلى مكان آخر انتقالًا
فوريًا أو لحظيًا، لابد أن يكون الكتاب متعلقًا بعملية النقل هذه وكل تفاصيلها. قد
يتضمن هذا الكتاب علم الرياضيات والفيزياء وعلم المواد، أو علوم الباراسيكولوجى،
أو حتى علوم لم نصل لها بعد.
مما لاشك فيه أنه كتاب يشمل كل علم يساعد على إتمام هذه
العملية ويدفع في اتجاه إنجازها. أنا هنا لست بصدد البحث، هل كان عصر نبي الله
سليمان من التقدم بحيث يتيح لأحد أفراد هذا العصر إنجاز هكذا مهمة، أم أن الأمر هو
أمر خارق في عصره أعطاه الله لأحد من خلقه تكريمًا وتأييداً لنبيه، إنما نبحث
مفهوم هذه الآية في كتاب الله، وما يمكن أن تشير إليه وتدل عليه. سؤال نبي الله سليمان نفسه، من يستطيع أن
يأتيني بعرشها لاشك يدل على أن نبي الله سليمان يعلم أن هناك قدرة لدى البعض على
الإتيان بالعرش في ظروف غير عادية.
فهم مدلول بعض الكلمات سوف يقودنا لفهم هذه الآية التي حدثت
في عهد نبي الله سليمان وقصها القرآن وأمرنا ربنا بتدبرها.
مدلول كلمة كتاب
وردت كلمة كتاب في القرآن الكريم ما يقارب مائتين وإحدى
عشرة مرة، وكلمة كتب ست مرات. وقد جاءت كلمة كتاب بمعان ومدلولات مختلفة، ولكن
جميعها تشير إلى أن الكتاب هو مجموعة مسائل وأوامر وتعليمات خاصة بموضوع الكتاب.
جاء الكتاب بمعنى رسالة في قول الله تعالى (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي
أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ)(سورة النمل، آية 29).
الكتاب هنا يشمل تعليمات محددة خاصة بالموضوع الذي أُرسل من
أجله، وهو دعوتهم.
وجاء الكتاب بمعنى كتاب دراسي
(أي يتم تدارسه) في عدة مواضع، حيث الكتاب لا يخرج عن كونه مجموعة من التعليمات
والمواضيع المتعلقة بالموضوع محل الدراسة:
(وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ
وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ)(سورة فاطر، آية 25).
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)(سورة الحج، آية 8).
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم
مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)(سورة لقمان، آية 20).
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ
شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ
مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا)(سورة
فاطر، آية 40).
(قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي
السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ
إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(سورة الأحقاف، آية 4).
(فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ)(سورة الصافات، آية 157).
(أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ
فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ)(سورة الزخرف، آية 21).
(أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ
تَدْرُسُونَ)(سورة القلم، آية 37).
(وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ
يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ)(، سورة سبأ،
آية 44).
(أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ
عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ
لَغَافِلِينَ)(سورة الأنعام، آية 156).
(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ
عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ
فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ
ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا
عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا)(سورة النساء، آية 153).
(أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ
أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ
عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا
رَّسُولًا)(سورة الإسراء، آية 93).
(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي
قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا
إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ)(سورة الأنعام، آية 7).
(وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن
كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)(سورة
العنكبوت، آية 48).
الكتاب بمعنى المرشد، أو دليل العمل، أو الخطة المسبقة
(الشرع):
(وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا
وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ)(سورة الأحقاف، آية 12).
(أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن
رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا
وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ
فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن
رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)(سورة هود، آية 17).
(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم
بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ
أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن
تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى
يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(سورة
البقرة، آية 235).
(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ
نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ
الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا
فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ
إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(سورة النور، آية 33).
من الواضح أن لفظ الكتاب يعنى مجموعة من القوانين
والتعليمات الخاصة بمسألة معينة، والكتاب في الآية التي نحن بصددها هو مجموعة
المسائل، والترتيبات والعلاقات المسئولة مسئولية مباشرة عن عملية نقل عرش بلقيس
نقلًا آنيًا أو لحظيًا. الكتاب ليس مقصورًا على كتاب سماوي، فما سُمي الكتاب السماوي
بالكتاب إلا أنه نُظِمَ من مجموعة من الأمور، ومرتبة بشكل يؤدي وظيفة أساسية
للقارئ وهي الفهم الذي يقود للعلم.
مدلول كلمة طرف
الجذر الثلاثي لكلمة طرف: الطاء، والفاء، والراء، لها
أصلان: أولهما حد الشئ وحرفه، والأصل الثاني هو حركة في بعض الأشياء. قبل أن أسجل
خواطري حول هذا الجذر اللغوي، دعوني أسرد الآيات الكريمة التي ذكرت فيها كلمة طرف
أو أحد مشتقاتها.
ذكرت كلمة طرف في كتاب الله في ثمانية مواضع، وكلمة طرفي في
موضع واحد، وكلمة أطراف في ثلاثة مواضع.
أولًا: كلمة أطراف
الآية الأولى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ
نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ
سَرِيعُ الْحِسَابِ) (سورة الرعد، آية 41)
تفسير الطبري حول كلمة طرف، وتأويلها جاء كما يلي:
(قول ابن عباس «أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ
نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا»، قال: أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض.
كان الحسن يقول في قوله: «أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ
أَطْرَافِهَا»، هو ظهور المسلمين على المشركين. قال ابن جريج: خرابُها وهلاك
الناس) انتهى التفسير.
تأويل ننقصها من أطرافها في التفاسير لا يخرج عن معنى فتح
الأرض بعد الأرض أو ظهور المسلمين على المشركين.
الأطراف بمعنى الحواف أو النهايات هو تعبير مقبول، ولكن
ينبغي أن نعرف أن الأطراف لا تعنى فقط شيئًا ماديًا. بل المدلول غير المادي لكلمة
طرف هو الأكثر شيوعًا، أطراف النهار لا تعنى حافة مادية للنهار، وإنما نهاية تأثير
النهار. وأطراف الأرض قد تعني نهاية تأثير مجال الأرض، فالأرض كما نعلم ليست هي
فقط الجزء الصلب، ولكن الغلاف الجوي الخاص بها يعتبر جزءًا منها، أو حتى نهاية
تأثير مجال الأرض سواء الجاذبية أو المجال الكهرومغناطيسي.
كلمة أطراف الأرض أشكلت على الكثيرين، حيث اعتبر بعض الناس
أن كلمة أطراف دليل على أن الأرض مسطحة، فكيف يكون هناك أطراف لشئ كروي؟
لا يمكن أن تكون هناك أطراف للأرض إلا إذا كانت الأرض
مسطحة. بالطبع هذا القول هو قول ساذج وسطحي للغاية، فلو وقف القائل بذلك على كلمة
أطراف في القرآن، لفهم أن كلمة أطراف تعني نهاية تأثير الشئ، ولم ترد في كتاب الله
للتعبير عن شئ مادي إطلاقًا.
كلمة أطراف التي جاءت مع الأرض تشير إلى أن للأرض تأثير ما،
وهو ما أثبته العلم من خلال المجال المغناطيسي للأرض، أو قد يكون هناك تأثير آخر
لم نصل إليه بعد.
إذا علمنا أن أي جسم متحرك بسرعة معينة وتبعًا لنظرية
النسبية الخاصة لأينشتاين، فإنه يبدو وكأنه يتناقص في اتجاه حركته. الحقيقة أن
الجسم نفسه ذا الأبعاد المادية لا يتناقص، وإنما ما يتناقص هو البعد الأفقي لهذا
الجسم. قد يكون المعنى هنا هو تناقص أحد أبعاد الأرض في اتجاه حركتها، أو يكون
هناك تفسير آخر لأطراف الأرض لم نستطع إدراكه، بسبب نقص المعلومات المتاحة. ما
يمكن أن أؤكده هنا أن كلمة طرف تعني نهاية تأثير شئ ما أو بداية تأثيره.
الآية الثانية:
(فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ
اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)(سورة طه، آية 130).
جاءت معظم التفاسير حول كلمة أطراف النهار على أنها صلاة
الظهر، والبعض قال صلاة الصبح والمغرب.
الله سبحانه وتعالى إذا ذكر الصلاة ذكرها بلفظ أقم الصلاة،
كما في الآية الكريمة.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)(سورة هود، آية 114).
أما الآية هنا فالمقصود هو التسبيح، وبالطبع التسبيح يختلف
عن إقامة الصلاة.
إقامة الصلاة محددة بأوقات معينة، بمجرد إدراكك أحد الأطراف
فهو وقت الصلاة، إذا أقمتها فقد أقمت الصلاة في وقتها، وعليك انتظار الوقت التالي
لإقامة الصلاة التالية، أما التسبيح فهو غير محدد بأوقات أو عدد، وهو حركة مستمرة،
فإذا كنت في حركة مستمرة فإن كذلك حركة ضوء النهار هي في حركة مستمرة، وفي حالة
الحركة فإن النهار له في كل لحظة طرفان، حيث طرف نهاية في مكان وفي نفس اللحظة طرف
بداية في مكان آخر. فكلمة أطراف مناسبة تمامًا في حالة التسبيح المرادفة للحركة
المستمرة.
الآية الثالثة:
(بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ
حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ
نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ)(سورة الأنبياء، آية 44).
كلمة أطراف في هذه الآية تشبه الآية الأولى التي سبق
تفسيرها و الخاصة بنهاية أو بداية تأثير الأرض.
ثانيًا: كلمة (طرفي)
وردت كلمة طرفي في كتاب الله مرة واحدة، وقد كنت قد أشرت
إليها في الآية السابقة عندما بينت الفرق بين الصلاة والتسبيح.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ
ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)(سورة هود، آية 114).
ثالثًا: كلمة طرف
الآية الأولى: (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا
خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ)(سورة الشورى، آية
45).
تفسير الآية الكريمة كما جاء في الطبري:
(يقول ابن عباس ومجاهد عن طرف خفي، وهو أن
معناه أنهم ينظرون إلى النار من طرف ذليل، وصفه الله - جل ثناؤه - بالخفاء للذلة
التي قد ركبتهم، حتى كادت أعينهم أن تغور، فتذهب.
أما السدى و قتادة، فقد فسروا (ينظرون من طرف خفي) على
أنهم يسارقون النظر) انتهى التفسير.
الصحيح عندي أنه من مكان بعيد، وهو نهاية مجال وتأثير
النار، أو أبعد نقطة من الممكن أن يروا النار من خلالها، فهؤلاء الكفار يقفون
بعيدًا عن النار و يسارقون النظر إليها من مكان بعيد خفية، ولو تأملنا الآية
القرآنية التالية يتضح المقصود.
(إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ
سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا)(سورة الفرقان، آية 12).
الآية الثانية:
(لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ)(سورة آل عمران، آية 127).
كلمة (طرفًا) في هذه الآية كما بينت ذلك أغلب التفاسير أن
المقصود بها جزءًا، ففي تفسير البغوي: ليقطع طرفًا، أي لكي يهلك طائفة من الذين
كفروا، وقال السدي: معناه ليهدم ركنا من أركان الشرك.
أعتقد أن المقصود بطرف الذين كفروا هو تأثير هؤلاء الكفار،
فلا يكون لهم أدنى تأثير سواء مادي بإجبار الآخرين على الكفر، أو معنوي بإغراء
غيرهم، وتزين الكفر.
الآية الثالثة:
(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا
يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)(سورة إبراهيم، آية 43).
طرفهم هنا معطوف على الأفئدة، وكما جاء في الجزء الأول -
الفصل السادس - أن الفؤاد هو مجال القلب، وهناك تأثير متبادل بين الإنسان والطبيعة
والكون من حوله؛ فإذا كان التأثير في اتجاه واحد بحيث لا يرتد هذا التأثير مرة
اُخرى للقلب، هنا يحدث الارتباك والتشويش، لأن حلقة الاتصال قد انقطع أحد أطرافها.
الأمر الطبيعي هو أن الإنسان يؤثر في محيطه ويتأثر به من
خلال اتصال حقيقي، والفؤاد وهو مجال القلب هو جهاز الاستقبال لدى الإنسان، فإذا
أصبح هذا الجهاز عاطلًا لن يستقبل تأثير الكون من حوله، وبالتالي يفقد البوصلة.
الآية الرابعة:
(عِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ)(سورة
الصافات، آية 49).
بالنظر إلى الآيات السابقة لهذه الآية.
(يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن
مَّعِينٍ(45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ(46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ
عَنْهَا يُنزَفُونَ(47) وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ(48))(سورة
الصافات، آيات 45-48).
تتحدث الآيات عن شراب أهل الجنة، وتؤكد أن تأثير هذا الشراب
مقصور على النفع فقط، ولا يضرهم. (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ)،
القول إن المقصود بالآية الكريمة نساء أهل الجنة، أو ما يطلق عليه الحور العين ليس
عليه أي دليل من كتاب الله، وسياق الآيات يدعم وبشدة أن المعني بالحديث هو شراب
أهل الجنة. سوف نأتي على تعبير حور عين في الفصل القادم.
الآية الخامسة:
(وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ
أَتْرَابٌ)(سورة ص، آية 52).
كما الآية السابقة، بالنظر إلى الآيات السابقة لهذه الآية
يتضح أن المقصود شراب أهل الجنة وطعامهم (الفاكهة)، وتأكيد أن تأثير هذا الطعام
والشراب غير متعدي الأثر كما يحدث في الدنيا.
(جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ(50)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
وَشَرَابٍ(51)وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ(52))(سورة ص، الآيات 50-52).
الآية الثامنة:
(فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ
يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ)(سورة الرحمن، آية 56).
هذه الآية الكريمة من الآيات التي يستدل بها كثير من
المفسرين على الحور العين، أو ما اتفق عليه نساء أهل الجنة، ولكن عند قراءة الآية
من خلال سياق الآيات السابقة واللاحقة يتبين لنا شئ آخر:
(فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ(50)فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(51)فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ
زَوْجَانِ(52)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(53)مُتَّكِئِينَ عَلَى
فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ(54)فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(55)فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ
يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ(56)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ(57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ((58))(سورة الرحمن،
آيات 50-58).
سنجد أن الآية يسبقها الحديث عن عينين تجريان، وكذلك فاكهة
كثيرة وشراب، فيصح معها بنفس الاستدلالات السابقة أن الحديث هنا عن الطعام
والشراب، وأقصى تأثير لهذا الشراب والفاكهة لا يمكن أن يكون ضارًا أو له أي تأثير
جانبي. الطرف بمعنى التأثير هو الأكثر قبولًا هنا وذو دلالة واضحة.
خمر الدنيا له تأثير جانبي لا يخفى على أي إنسان، وكذلك أي
نوع من طعام أو شراب له تأثير ضار إذا أكثرت منه، ولكن ذلك لا يكون أبدًا في
الجنة، فطعام وشراب أهل الجنة مقصور على النفع فقط، وليس له أية آثار جانبية.
الآية التاسعة:
(قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ
الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا
رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي
أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن
كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)(سورة النمل، آية 40).
من خلال قراءة الآية الكريمة، نجد أن من قام بإحضار عرش
بلقيس هو أحد جلوس نبي الله سليمان في مدة قصيرة جدًا.
الوقت لم يكن مؤثرًا في عملية نقل العرش، كما سنرى بعد
قليل. هذه الآية حدثت في هذا الوقت أمام
نبي الله سليمان، ووصفها القرآن الكريم وصفًا حقيقيًا وبليغًا، وعندما يقول الذي
عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فمن الواضح أن المقصود هنا
هو مدى البصر، بتعبير دقيق، المسافة الضوئية بين نبي الله وبين المخاطب.
أعتقد أن المقصود هنا قبل أن يعود إليك الشعاع الضوئي الذي
أطلقته في اتجاهي، والمعروف أن هذا الشعاع الضوئي هو جزء من عملية الإبصار، ونهاية
عملية الإبصار هذه هو طرفها.
لو حاولنا ترجمة هذا الكلام فيزيائيًا فإن عملية الانتقال
هذه سوف تتم أسرع من سرعة الضوء، وهنا إشارة مهمة للغاية بحيث إذا صح ما ذهبنا
إليه، فإن عملية الانتقال تمت عن طريق علم يعمل خارج نطاق الفيزياء التقليدية التي
نعرفها حتى الآن، فالانتقال لم يتقيد بالزمان أو بالمكان، وقد يكون هذا العلم هو
أحد أفرع علم الباراسيكولوجى (أحد تأثيرات النفس البشرية الخارقة).
هل يمكن أن تكون هذه الآية العلمية التي حدثت أمام نبي الله
سليمان على يد أحد أصحاب العلم إشارة لنا بأننا نستطيع تحقيقها لو اتبعنا الأسباب
وتوصلنا إلى هذا العلم؟
قبل أن أنتقل إلى الرؤية العلمية لهذا الموضوع، أود أن أورد
مقولة للشيخ محمد الغزالي في كتابه نحو تفسير موضوعي للقرآن الكريم، في معرض
تفسيره لهذه الآية يقول: (وأظن - تفسيرًا لما وقع - أن المادة تحولت إلى طاقة تجرى
بسرعة الضوء، ثم عادت سيرتها الأولى عرشًا تجلس عليه الملكة).
مع عدم تخصص الشيخ في علوم الفيزياء إلا أنه جاور التفسير
المنطقي بحد غير مسبوق.
إذا اعتمدنا تأويل كلمة طرف كما بيناها، أعتقد أن سرعة
الضوء هنا لا تفي بالغرض، ولكن قوة أخرى هي المسئولة عن عملية النقل هذه.
تحليل كلمة طرف تشير إلى أن الفيزياء التقليدية ربما لا
تكون مفيدة في فهم هكذا ظاهرة، ومع ذلك
سوف نحاول التعريج قليلًا على الفيزياء التقليدية، وما جاء في عملية النقل الآني
بشكل علمي بعيدًا عن الخرافات. المرحلة الثانية سوف يكون لنا وقفة مع قدرات النفس الخارقة بشكل استقصائي بعيدًا
وتحليلي قدر المستطاع.
النظرة العلمية
عملية الانتقال الآني أو اللحظي نفسها ليست فصلًا من رواية
خيالية، وإنما موضوع يشغل بال الباحثين على أعلى المستويات. التوصل لمعلومات كافية
تقود إلى عملية الانتقال الآني سوف يغير وجه هذا العالم، وسوف ينقل البشرية خطوة
لا مثيل لها إلى الأمام. الأسطر القليلة القادمة سوف تقص علينا الفيزياء التقليدية
أو الفيزياء التي نعرفها وجهة نظرها عن هذا الأمر؛ يتلوها علم الباراسيكولوجي
وقدرات النفس الخارقة، التي تبحث لها عن موضع قدم في عالم العلم المقاس.
الفيزياء التقليدية:
لو أردنا أن نتتبع عمليات الانتقال الآني فلابد أن نعود
قليلًا إلى الوراء، وتحديدًا إلى بدايات القرن التاسع عشر، عندما وضع العالم
الأمريكي جوزيف هنري والعالم البريطاني مايكل فاراداي النظرية المسماة بنظرية الحث.
تقول النظرية: (إن مرور تيار في سلك يمكن أن يؤدي إلى مرور
تيار في سلك آخر)، والمصادفة أن كل عالم منهما وضع نظريته بدون الترتيب مع زميله
الآخر، وكانت هذه النظرية إيذانًا ببدء عصر انتقال الصوت أو ما يعرف بالإذاعة.
جاء بعد ذلك البريطاني جيمس كلارك ماكسويل بنظريته التي
تثبت وجود موجات كهرومغناطيسية تنتقل بسرعة الضوء، ليتم صياغة مجموعة من النظريات
والأفكار التي مكنت الإيطالي ماركوني من تصميم جهاز استطاع من خلاله إرسال أول
إشارة اتصال بموجات الإذاعة عبر الهواء عام 1895م. كانت الرسالة عبارة عن شفرات
برقية خلال مسافة لا تزيد عن الكيلو والنصف متر، ولم يمر عام 1901م حتى تمكن
ماركوني من إرسال شفرات برقية عبر المحيط الأطلنطي بين انجلترا ونيوزيلندا.
ما لبث أن طور العلماء أنواعًا من أجهزة الإرسال والاستقبال
مكنتهم من التقاط إشارات الإذاعة وتضخيمها. لا يعرف على وجه الدقة تاريخ انتقال
أول صوت بشري، إلا أن أصح المصادر تذكر أن عام 1906م شهد مولد أول انتقال لصوت
بشري عبر الإذاعة، على يد العالم الكندي ريجينالد فسندن.
لقد كان لهذا الكشف العظيم أثره البالغ، حيث ساعد الانتقال
الصوتي عبر الإذاعة في التواصل ما بين سفينة و سفينة، أو التواصل بين السفينة
والشاطئ، للمساعدة في عمليات الإنقاذ والإنذار.
لقد ظهر ذلك جليًا حينما اصطدمت السفينة (S S Republic) بسفينة أخرى في المحيط
الأطلنطي، وبسبب إرسال نداء الاستغاثة عن طريق الراديو تم تقريبًا إنقاذ معظم
ركابها. ولعل الحادثة الأشهر في التاريخ الحديث، وهي غرق السفينة تيتانيك، كان
للراديو دور مهم في إنقاذ بعض الركاب 1912م.
انتقال الصوت كان بوابة العبور للتفكير في إمكانية نقل
الصوت مصحوبًا بالصورة، وهو ما يعرف بالبث التلفزيوني. ما بين عام 1928م و 1935م
تم استخدام موجات متوسطة خاصة بهيئة الإذاعة البريطانية لنقل الصورة، وكانت الصورة
عبارة عن ثلاثين خطًا، كانت معها الصورة ضعيفة الوضوح وكثير من التفاصيل غائبة.
ما إن حل عام 1936م، حتى تمكنت الإذاعة البريطانية من إطلاق
أول إرسال تلفزيوني عالي الوضوح من قصر الكسندرا في شمال لندن، ومنذ ذلك الوقت
وعملية التطوير والتحديث مستمرة ودون كلل.
عملية الانتقال هذه عملية سريعة جدًا، ولكن ليست بسرعة
الضوء. والحديث هنا عن انتقال صوت أو صورة، والصوت والصورة في النهاية موجات تم
انتقالها من مصدر معين، ثم تمت ترجمتها من خلال جهاز الاستقبال لتعطي نفس الصوت أو
الصورة.
منذ متى بدأ التفكير في الانتقال الآني أو اللحظي للأشياء
المادية كما تم تقريبًا نقل الموجات؟
بعد اختراع الطائرة وتحديدًا في منتصف القرن العشرين، بدأت
فكرة الانتقال الآني بمفهومها الشامل، وهو انتقال مادة من مكان إلى مكان آخر في
صفر زمن، في إيجاد مساحة لها على طاولات البحث والنقاشات العلمية.
كانت الصورة النمطية لانتقال جسم من مكان لمكان آخر تتمثل
في جهاز ارسال، يقوم بقياس وقراءة جميع خصائص ومكونات الجسم المراد نقله، ثم يقوم
الجهاز الأول بعملية مسح لجميع ذرات الجسم، ومن ثم حفظها على هيئة شفرة، يتم
إرسالها للجهاز الثاني، والذي بدوره يعتبر جهاز استقبال ليقوم بترجمة وفك هذه
الشفرة، ليعيد إنتاج نسخة مطابقة تمامًا للجسم الأصلي، عن طريق مخزن يحتوي على
جميع أنواع الذرات الموجودة والمعروفة.
قد تكون هذه الفكرة قد تحققت جزئيًا بالفعل، حيث الطابعات
ثلاثية الأبعاد. في الطابعات ثلاثية الأبعاد يتم إدخال تصميم معين، ومن ثم تقوم
الطابعة بإنتاجه مطابقًا تمامًا للتصميم المرسوم مسبقًا، حيث تتم عملية مسح للجسم،
ثم إرساله للطابعة ثلاثية الأبعاد لتقوم بنسخه كما الجسم الأصلي، اعتمادًا على
مخزون من المواد الأولية في الطابعة. تبقى هذه الفكرة تدور في فلك النسخ وليس
انتقال آنيًا حقيقيًا. ما تم نقله في هذه العملية هو معلومات فقط، ولم ينتقل الجسم
المادي بنفسه، أى أن الذرات على الجانبين مختلفة كما أن الجسم الأول والثاني لهما
نفس الوجود، ولكن في مكانين مختلفين.
في عملية الانتقال الآني من المفترض ألا يوجد إلا جسم واحد،
وفي مكان واحد بنفس ترتيب الذرات، ونفس الخصائص والمواصفات.
إذًا عملية الانتقال الآني الحقيقي هي عملية انتقال الجسم
نفسه، إما عن طريق تحويله إلى شئ قابل للنقل. لتقريب الفكرة تحويل الجسم إلى ذرات،
أو حتى كمات (الكم هو مصطلح فيزيائي، يعبر عن أصغر كمية تمتلك صفات طبيعية، ولا
يمكن تقسيمها إلى أجزاء أصغر)، ثم إعادة تجميع هذه الذرات أو الكمات مرة أخرى
لتكوين الجسم الأصلي.
عند البحث عن أي مصدر للمعلومات قد تكون مفيدة تتحدث عن
الانتقال الآني، وجدت أن هناك بعض المعلومات المتناثرة هنا وهناك، تتحدث مرة عن
انتقال صندوق صغير خلال مسافة 6 أمتار. وعلى حسب المواقع غير الموثقة، فإن هذه
العملية تمت في عام 1969م، ولكن التجربة فشلت. ثم إن هناك أيضًا بعض المعلومات عن
إعادة التجربة عام 1993م، عن طريق شركة الحواسيب (إي بي أم)
IBM، وتم نقل قطعة معدنية مسافة 90 سم. الحقيقة
أن هذه المعلومات عند البحث والتقصي لم أجد لها أي أثر واقعي، فلا أظن أنها حقيقة
أبدًا، بل هي نوع من خيال كاتبها.
أول خطوة حقيقية تمت على طريق الانتقال اللحظي أو الآني
كانت عام 1992م، واعتمادًا على نظرية علمية لكل من أينشتاين وشرودنجر، وكانت تنص على
أنه يمكن لجسمين كونتيين (جسيمات كمية مثل الفوتونات والإلكترونات) أن يظلا على
اتصال دون رابط مادي تحت ظروف معينة، وهذه الظاهرة تسمى التشابك الكمي.
ظاهرة التشابك الكمي، هي ظاهرة تجعل كلًا من الفوتونات
والإلكترونات وكأنها مرتبطة معًا برباط، رغم وجود مسافات كبيرة بينها. ببساطة إذا
تم تحقيق مثل هذه النظرية عمليًا، فإن عملية الانتقال الآني تصبح محتملة الحدوث
بشكل كبير.
هناك مبدأ في الفيزياء الحديثة ينص على أنه إذا كان لدينا
فوتونين يمكننا قياس استقطاب أي من الفوتونين عند أي زاوية، فإنه بالإمكان التنبؤ
بسلوك الفوتون الثاني إذا خضع للقياس نفسه. هذا المبدأ هو ما اعتمد عليه فريق بحثي
في جامعة جنيف بقيادة البروفيسور نيكولاس جيزين، لتسجيل مسافة قدرها 25 كم في مجال
النقل الكمي.
تجربة فريق نيكولاس جيزين تتلخص في إصدار فوتونين من مصدر
ضوئي واحد بينهما تشابك كمي، بحيث تم وضع الفوتون الأول في أسلاك بصرية، أما
الفوتون الثاني تم إبقاؤه حبيس بلورة معينة كجزء أول من التجربة. في الجزء الثاني
من التجربة تم إطلاق فوتون ثالث في اتجاه معاكس للفوتون الأول، والمنطلق في
الألياف البصرية ليصطدم به ويتحطم كليًا، وقد لاحظ نيكولاس أثر الاصطدام على
الفوتون الثاني الحبيس في البلورة رغم أنه بعيد عن الفوتون الأول بمسافة 25 كم،
وتعتبر هذه النتيجة نصرًا مبينًا في مجال التشابك الكمي.
لا يمكن اعتبار هكذا تجارب على النقل الآني أنها حققت نتائج
إيجابية بالنسبة للنقل الآني للمادة كما في تصورنا، فالنقل هنا لم يتعدى معلومات
تخص الحالة الكمية للجسم، لكن مما لا شك فيه أن نتائج كهذه تعتبر خطوة هامة جدًا
قد يتبعها الكثير والكثير فيما بعد، وخاصة ونحن على أعتاب فهم جديد للمادة تكاد
الحدود في هذا الفهم تتلاشى بين المادي واللا مادي.
رغم التقدم العلمي والتدفق المعلوماتي الهائل إلا أن
الإنسان لم يستطع نقل ذرة واحدة آنيًا على قدر معلوماتي. وأعتقد أن نقل المادة ليس
مستحيلًا، وربما في المستقبل القريب يتحقق هذا النقل. أما بخصوص نقل الإنسان، فإن
الأمر يعتبر أعقد بكثير، بسبب العلاقات التي تحكم الإنسان وتتحكم فيه.
المادة محكومة بعلاقات كمية تعتبر إلى حد ما متواضعة جدًا
إذا ما تمت مقارنتها بالعلاقات التي تحكم الإنسان، فالإنسان مجموعة لا نهائية من
العلاقات المعقدة، سواء الكمية، والبيولوجية، والنفسية والمعرفية، تجعل مسألة نقله
آنيًا من وجهة نظري مستحيلة.
لا أحد يدري على وجه الدقة ماذا تحمله قادم الأيام، ولقد
عودنا العلم أنه دائمًا يتبع الخيال أو أن الخيال قاطرة العلم في كثير من الأحيان.
علم الباراسيكولوجى
قد تكون الفيزياء التقليدية غير قادرة حاليًا على تفسير تلك
الظاهرة، أو أنها بعيدة بقدر ما عن تحقيق هذا الإنجاز؛ إلا أن علم الباراسيكولوجى
(علم خاص بقدرات النفس الخارقة) يمكن أن يعطي تفسيرًا معقولًا عن تحريك الأشياء عن
بعد، وإن كان هناك كثير من العلماء يعارضون علم الباراسيكولوجى لما يحتويه من
غوامض وأشياء صعبة التفسير وغير مُقاسَه.
مع التقدم المذهل والنظريات الحديثة والتي تتحدث عن قانون
واحد يصف الكون جميعًا ونظرية الأوتار الفائقة، ربما علم الباراسيكولوجى يجد له
موضع قدم ويصبح مقبولًا بشكل كبير في المستقبل بناء على دلائل يمكن قياسها.
لا أعتقد أن علم الباراسيكولوجى بمنأى عن علم الطبيعة، ولكن
نحتاج لمزيد من الوقت لتكتمل الصورة، فالعلاقة لا شك قائمة، ولكن إدراكنا لهذه
العلاقة بشكل كامل لم ينضج بعد.
يختص علم الباراسيكولوجي بدراسة أربع ظواهر أساسية:
الظاهرة الأولى: ظاهرة التليباثي أو الاستجلاء البصري
(التخاطر) Telepathy
وهي ظاهرة قراءة الأفكار، ويتم عن طريق الاتصال بين عقول
الأفراد، وهذه الظاهرة لا تعترف بالزمان أو المكان، ولا يتم فيها أي نوع من أنواع
الاتصال المباشر المعروف.
الظاهرة الثانية: قراءة ما وراء البصر
القدرة على قراءة ما وراء البصر
Clairvoyance كرؤية موقف معين أو حادثة لشخص برغم وجود مسافة
كبيرة تحول دون الرؤية المباشرة.
الظاهرة الثالثة: بعد النظر
وهي القدرة على معرفة الأحداث قبل وقوعها Precognition.
الظاهرة الرابعة: تحريك الأشياء عن بعد
تختص هذه الظاهرة بدراسة ما يسمى تحريك الأشياء عن بعد دون
أي اتصال فيزيائي مباشر، وفقط عن طريق النظر إليها
Psychokinesis.
إن كانت فكرة التحريك بالتخاطر فكرة تبدو جذابة ومثيرة
لخيال الكتاب والمؤلفين، فإنها كذلك بالنسبة للعلماء والباحثين. سجلت بعض الكتابات
العلمية بعض الظواهر الخارقة في نظر العلماء، وإن كان تفسير هذه الظواهر مازال
غيبًا ولا يمكن الادعاء بفهمها وتفسيرها علميًا بشكل كامل.
عدم فهم الظواهر أو عدم وجود تفسير علمي لها لا يمكن أن
يُلغي وجود هذه الظواهر وتكرارها، بل يدفع في اتجاه البحث خلفها ومحاولة تفسيرها.
يُطلق على التركيز العقلي لتحريك الأجسام دون اتصال ملموس
مصطلح العقل فوق المادة. لا يعنى ذلك أن العقل هو المسئول عن هذا التحريك ولكن
تسمية افتراضية. قد يكون للنفس والقلب علاقة وثيقة بالأمر، ولكن الجزم بذلك غير
واقعي وغير مبرهن مائة بالمائة كما أفردنا في (الفصل السادس –الجزء الأول).
من أشهر الأشخاص الذين قاموا بظاهرة التحريك عن بعد كما هو
مسجل في بعض المراجع؛ رجل الدين الهندي (ساثيا ساى بابا)، والروسية (نينا
كولاجينا) و(يورى جيلر).
استحقت مثل هذه الظواهر لفت انتباه المتابعين بسبب عدم تأثر
هذه الظواهر بالمسافة، مما يجعلها تعارض وبشكل واضح قوانين الفيزياء التقليدية.
لنلقي نظرة سريعة على أشهر من عُرف بالقدرات النفسية الخارقة.
أولًا: ساثيا ساي بابا
لو حاولنا التعرف على حياة ساثيا ساي بابا الزعيم الديني
والفيلسوف والخطيب الهندي، سنجد أنها حياته مليئة بالمتناقضات بحسب رواية معاصريه
ومتابعيه والباحثين في سيرته.
أتباع ساي بابا ومناصروه يعتبرونه زعيمًا روحيًا من الدرجة
الأولى، وله اتصال إلهي، بل وصل الأمر بالمتشددين منهم باعتباره تجسيدًا الإله في
صورة إنسان. على النقيض من ذلك يعتبره منتقدوه دجالًا ومشعوذًا، مكانه الطبيعي
السجن بسبب اعتداءاته الجنسية المتكررة، والتي لم يحاسب عليها بسبب نفوذه السياسي
القوي.
ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، نستطيع أن نتلمس للرجل
بعض القدرات غير العادية بحسب روايات كتّاب وصحفيين تابعوا هذا النموذج عن قرب. قد
تعود قدراته لخفة اليد برأي بعضهم، وقد تعود لقدرات نفسية خارقة برأي البعض الآخر،
نحن هنا لسنا مخولين بالحكم بقدر ما نحن نعرض بعض هذه الأخبار في محاولة لاستبيان القدرات
النفسية الخارقة، والقارئ هو الحكم بالنهاية.
لا يمكننا إغفال مثل هذا الشخص لما تمتع به من شهرة واسعة
وملاحظات معتبرة؛ بحسب تقرير لصحيفة البي بي سي البريطانية والمنشور عام 2011م،
والذي قرر أن الرجل أن له قدرات روحية خارقة مثل ثني القلائد والساعات عن بعد.
بعض الكتابات الصحفية أشارت إلى ظهور كتابات بخط يده في
بقاع مختلفة في العالم، أو على مستشفيات في لندن. في عام 1976م، قام أُستاذ
الفيزياء هصور نيرسيمه Housr Narasimhaiah في جامعة بنجلور في الهند بتوجيه خطاب علني يطلب من الساي بابا الخضوع
لظروف معينة للحكم على قدراته وإخضاعه للبحث والتدقيق، ولكن الساي بابا تجاهل
الخطاب، وقال في معرض حديثه عن هذه الرسالة أنها تفتقر إلى الاحترام وأنها تحمل
لهجة تحدي واضحة. أنقل هنا جزءًا هامًا من رد الساي بابا، لأنه من خلال هذا الجزء خصيصًا تظهر لنا الحلقة المفقودة
التي تتسبب في عدم اعتراف الكثيرين بهذا العلم غير المُقاس.
يقول الساي بابا في رده (أن العلم يقتصر على عالم التجربة
والماديات التي تخضع إلى العقل الإنساني، وبدوره فهذا العقل يريد جوابًا علي
اليقين أو الشك، بينما الكرامات والروحانيات تسمو علي الشك واليقين إلى عالم أسمى
تتجلى فيه مظاهر القوة الروحانية)، ثم طلب من البروفيسور وضع قوانين وشروط تستند
إلى القوة الروحية لكي يستطيع فهم ما أسماه الكرامات والروحانيات.
في الجزء الأخير من رسالته، والتي طلب فيها الساي بابا من
البروفيسور هصور وضع قوانين وشروط تستند إلى القوة الروحية هو محق تمامًا، فلا
يمكن بحال من الأحوال الاعتماد على الفيزياء التقليدية في فهم وتفسير القوى
النفسية الخارقة.
على مستوى الفيزياء ذاتها نجد أن الفيزياء وقوانين نيوتن
والتي تصف حركة الأجسام الكبيرة قد وقفت عاجزة تمامًا أمام وصف الأجسام الذرية،
ولو حاولت استخدام قوانين الأجسام الكبيرة في وصف حركة الإلكترون على سبيل المثال،
فمن المنطقي أن تفشل المحاولة فشلًا ذريعًا.
الوضع الطبيعي ألا ننفي وجود حركة الإلكترون، وإنما ننفي
وجود قوانين يمكنها أن تصف هذه الحركة. من أجل ذلك كانت النظرية النسبية و
المعادلات الموجية لعلماء أمثال شرودنجر لوصف الأجسام الذرية ومحاولة التوفيق بين
الجسيم والموجة من خلال نظرية الكم.
كيف يمكن لقوانين الفيزياء الحالية تفسير الظواهر النفسية؟
وكيف يمكن إخضاع الظواهر النفسية الخارقة لمثل هكذا قوانين لا تعمل القوى النفسية
في نطاقها؟
سيظل دورنا بخصوص القدرات النفسية الخارقة مقتصرًا على
التدوين والتحليل والإحصاء، بسبب النقص الشديد في المعلومات وبسبب الحلقة المفقودة
ما بين اللامادي والمادي.
ثانيًا: نينا سيرجيفنا كولاجينا
كولاجينا أذهلت العالم بسبب قبولها الخضوع للاختبارات،
والتي أصبحت مثار جدل كبير في أوساط علماء الفيزياء وعلماء الباراسيكولوجى. وكعادة
الأشخاص أصحاب القوة النفسية الخارقة يوجد مؤيدون يعتقدون في جدية ما تقوم به
السيدة كولاجينا، بينما على الجانب الآخر يقف المعارضون لمثل هذه الأعمال بالمرصاد
و يعدونها نوعًا من الدجل والشعوذة، بسبب عجز العلم عن تفسيرها.
لقد سجلت بالفعل التجارب التي خضعت لها السيدة كولاجينا
تقدمًا ملحوظًا، حيث استطاعت تحريك أشياء صغيرة من مكانها دون اتصال مباشر مثل
علبة ثقاب، واستطاعت أيضًا التعرف على الألوان دون رؤيتها، فقط عن طريق لمسها. كما
سجل العلماء لها كيف استطاعت تحريك البوصلة عن طريق إمرار يدها فوق البوصلة، وقد
ظهر عليها علامات إعياء وجهد كبيرين وكيف أن البوصلة كانت تتبع يديها. استطاعت
كولاجينا في إحدى التجارب التأثير على قلب ضفدع حي، حيث جعلت نبضات قلبه تتسارع
بشكل ملحوظ، ثم تتباطأ مرة أخرى إلى أن توقف تمامًا.
في إحدى التجارب تم إجراء التجربة على أحد العلماء وملاحظة
تأثير نينا كولاجينا على العالِّم، بعد مراقبة نبضات قلب العالِّم بواسطة أجهزة
حساسة وبعد بدء التجربة لاحظ الشخص المراقب للتجربة تصاعد ملحوظ في نبض قلب
العالِّم محل التجربة، مما تطلب منه إيقاف التجربة فورًا حرصًا على حياة العالِّم.
تعتبر نينا كولاجينا من أهم وأشهر الأشخاص أصحاب القدرات
الخارقة، بسبب موافقتها على إجراء التجارب أمام الباحثين بغرض فحصها، وهذا ما عزز
مصداقية القدرات الخارقة التي قامت بها.
لقد استخدم الباحثون أشياء مختلفة الحجم والشكل في تجاربهم،
وقد أقر الباحثون بأنهم قاموا بالعديد من الاحتياطات التي تضمن عدم تلاعب نينا
كولاجينا والتأكد من عدم وجود أي نوع من الحيل والخدع.
ومع ذلك كان هناك أحد الاعتراضات القوية الموجهة لنينا
كولاجينا، وهو احتمالية استخدامها مغناطيس صغير لتحريك الأشياء عن بعد. قام الباحثون
بعد ذلك باستخدام أشياء لا تتأثر بالمغناطيس مثل أعواد الثقاب، ووضعها داخل حاجز
زجاجي لمنع التأثيرات الهوائية أو خيوط قد تكون غير مرئية، وقد سجلت التجربة
نجاحًا ملحوظًا.
رغم ذلك فهناك دائمًا اعتراض ونقد موجه للسيدة كولاجينا
بسبب الشروط غير الكافية من وجهة نظر العلماء على إجراء مثل هذه التجارب، إذ أن
معظم التجارب كانت تتم إما في منزلها أو في غرف فنادق، وكانت تحتاج لوقت طويل من
التركيز والبعد عن أي مؤثرات، مما جعل الكثير يشك في أنها تقوم بترتيب حيل ماكرة
لتنفيذ مثل هذه الأشياء.
وجود هكذا أمثلة واضحة وخصوصًا السيدة كولاجينا هو ما لفت
انتباه العلماء لواحد من أهم فروع علم الباراسيكولوجي، وهو ما يعرف بعلم
السيكوكينيز. وكلمة سيكوكينيز (Psychokinesis)،
مقطعان تعني العقل والحركة، ويعني المصطلح قدرة العقل على التحريك.
رغم أن جميع الأبحاث تتحدث عن قوة العقل على التحريك إلا
أننا في الجزء الأول من الكتاب كنا قد أشرنا إلى دور القلب في التأثير، لذلك نحن
هنا ننقل تأثير العقل دون تدخل منا مع تحفظنا على العضو المسئول عن التأثير.
ثالثًا: يوري جيلر
المثال الثالث لدينا هو يوري جيلر، وهو أيضًا يعد من أصحاب
الظواهر الخارقة، حيث حقق جيلر شهرة لا بأس بها بسبب قدراته غير العادية في
التخاطر وتحريك الأشياء عن بعد أمام عدد من الجمهور. يقول جيلر عن نفسه أنه اكتشف
هذه القدرة وهو في سن مبكرة، حوالي الرابعة من عمره، عندما اكتشف قدرته على ثني
سكاكين وأدوات المطبخ.
العرض الأكثر إثارة بالنسبة لجيلر هو تمكنه من إحداث تغيير
ملحوظ في هيكل معدني موجود في قاعدة للأسلحة الامريكية كان قد تم إنشاؤه حديثًا.
من الأشياء الطريفة التي تعرض لها جيلر، العرض الذي قدمه على شاشة التليفزيون
البريطاني، وقام من خلاله بثني الملاعق، وقد حذر الجمهور من أن الملاعق سوف تنثني
في منازلهم لكنه فشل فشلًا ذريعًا، ومع ذلك استطاع تجاوز ذلك الفشل بواسطة السمات
الشخصية التي يتمتع بها وحضوره المميز.
أشهر الاعتراضات على جيلر جاءت على لسان جيمس راندى، أحد
المشهورين بخفة اليد، حيث رصد جيمس مليون دولار لأول دليل على وجود القدرات الخارقة،
شريطة أن يخضع صاحب القدرات لشروط يحددها جيمس بنفسه ولم ينجح أحد في هذا الاختبار.
ومع ذلك فقد خضع جيلر لإجراء بعض التجارب في معهد ستراتفورد
للأبحاث بواسطة عالمي الفيزياء راسل تارج وهاروك بتهوف، وقد تم وضع جيلر في غرفة
مبطنة ومعزولة بطبقتين مغناطيسيتين.
استطاع جيلر الإجابة على 8 أسئلة بطريقة صحيحة لمعرفة وجه
زهر الطاولة من أصل 10 أسئلة، بالإضافة لإجابته عن كل الأسئلة الأخرى.
كان الانتقاد الموجه لهذه التجربة هو انتقاد على أساس الجو
العام الذي أجريت فيه التجربة، والذي بحسب وصف أحد النقاد يشبه جو السيرك والألعاب
البهلوانية، لا أجواء اختبار قدرات خارقة.
هناك أمثلة عديدة لأشخاص تم اختبار قدراتهم العقلية على
التأثير المادي، ولكن اكتفيت هنا بالثلاث أمثلة الأكثر وضوحًا وشهرة في هذا
المضمار.
تجربة بروفيسور دين ( جامعة ديوك)
من الأشياء الجديرة بالذكر تجربة بروفيسور في جامعة ديوك
الأمريكية يدعى رين، ففي عام 1934م بدأ البروفيسور رين في تصميم ظروف معملية معينة
لدراسة ظاهرة قدرة العقل على التحريك عن طريق استخدام زهر النرد. كان لاستخدام رين
زهر النرد في التجربة قصة طريفة، حيث فاجأه لاعب قمار محترف وهو مستغرق في إجراء
الاختبارات الخاصة على قوة التحريك باستخدام العقل، وأخبره أنه يستطيع التأثير في
زهر النرد عند التركيز الذهني، وبالفعل استطاع البروفيسور رين التأكد من قدرة
الشاب غير العادية على التحكم في ظهور أوجه زهر الطاولة، وبعد حصول رين على دليل
قوي على وجود الظاهرة بدأ بالفعل في إجراء التجارب الخاصة به مستخدمًا زهر الطاولة.
كان يطلب رين من الشخص موضع الاختبار أن يلقي زهر الطاولة
24 مرة باستخدام زهر واحد، و12 مرة باستخدام زهرين، سجل البروفيسور رين النتائج مع
حساب احتمالات المصادفة.
فمثلًا ظهور الرقم 6 أربع مرات هو أمر مصادفة، وأي نتيجة
أعلى من ذلك أو أقل من ذلك لابد أن تكون هناك عوامل أخرى مؤثرة، ربما تكون قوة
العقل على التحريك. كان رين يطلب من الأشخاص موضوع الاختبار إلقاء الزهر مباشرة
بأيديهم مع التركيز.
وبالفعل حصل رين على نتائج مذهلة وخصوصًا في حالة التركيز
الذهني الشديد؛ ولعل الأمر الملفت للنظر في هذه التجربة أن شدة قوة التركيز كانت
تأتي من الصلاة برأي أحد طلاب الدراسات الدينية، حيث تساعد الصلاة على قوة التركيز
مما أعطت نتائج إيجابية للغاية.
لكن على ما يبدو أن رين لم ترق له مسألة الصلاة ودورها في
التركيز، وأراد التأكد عمليًا من هذه الفرضية فقام بإجراء التجربة مرة اُخرى
باستخدام مجموعتين مختلفتين، كل مجموعة من أربعة أشخاص.
المجموعة الأولى من طلاب
الدراسات الدينية والمجموعة الثانية من محترفي القمار، وعند إجراء التجارب كانت
النتائج مذهلة فقد حققت مجموعة الطلاب الدينية نتائج تفوق احتمال الصدف، مما يعزز
القول بقدرة العقل على التحريك
كعادة التجارب التي تعتمد على القوى النفسية لا تخلو من
المشاكل، فتجارب البروفيسور رين تعرضت لانتقادات سواء بسبب استخدام الأشخاص في
التجربة، أو حتى استخدام الزهر نفسه، إذ كان هناك فرضية تقول أن الوجه الذي يحمل
الأرقام الكبيرة أثقل بقدر ما من الوجه الذي يحمل أرقامًا أصغر، وعندما قام رين
باستخدام زهر دقيق للغاية في التجربة كانت النتائج أضعف من سابقتها، لهذه الأسباب
وعدم قناعة رين الكاملة بالنتائج لم يقم بنشر نتائجه، رغم اقتناعه بوجود ظاهرة
التحريك باستخدام العقل.
هناك دلائل لا يستهان بها على التحريك بالتخاطر، ولكن لا
يزال العلم في شك من ذلك ولا يثق بالنتائج، بسبب تعارضها مع المقاييس العلمية
المتاحة وعدم القدرة على الإمساك بهذه القدرات.
إن مثالًا واضحًا ضربه ربنا عز وجل في كتابه عن قدرة أحد
شهداء مجلس نبي الله سليمان على التحريك عن بعد لهو مفتاح ودلالة واضحة وإشارة لا
يمكن إغفالها للإنسان على إمكانية حدوث هذا الأمر إذا اجتمعت أسبابه وقوانينه، إنه
القرآن الكريم الذي وصفه الخالق سبحانه وتعالى بأنه هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان. أعتقد أن مفتاح هذا الأمر يقع ضمن نطاق علم الباراسيكولوجي، وأن
الفيزياء الحالية غير قادرة على تفسير ذلك. ربما الفيزياء المستقبلية والتي سوف
تقوم على نظرية الأوتار الفائقة تكون لديها إجابة مقنعة، وتستطيع أن تخبرنا كيف
يمكننا تحريك الأشياء بعيدًا عن الزمان المكان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق